العرب: من قمة عمان للتطبيع مع الأسد إلى قمة العقبة لإدارة ما بعد الأسد
- الدكتور سليم سنديان (Dr. Salim Sendiane)
- 22 ديسمبر 2024
- 4 دقائق قراءة
تاريخ التحديث: 1 فبراير

كان للدول العربية دور قوي في إفشال الحراك الشعبي في العالم العربي الذي انطلق عام 2011. في هذا المقال، نسعى إلى الوقوف على هذا الدور في سوريا من أجل تقييمه وفهم كيفية التعامل معه بما يحقق مصالح السوريين في الانتقال نحو نظام تعددي ديمقراطي، مع ضمان مصالح واستقرار الدول العربية.
أولاً: قمة عمان والتطبيع العربي المجاني مع نظام الأسد في الأول من أيار/مايو 2023، عُقد في عمان اجتماع ضم وزراء خارجية النظام السوري والأردن والسعودية والعراق ومصر. هدف الاجتماع كان مناقشة إعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية ومعالجة القضايا الإقليمية المهمة، مثل مكافحة تهريب المخدرات وعودة اللاجئين السوريين، مع تنازل واضح عن مطالب الإصلاح السياسي وتطبيق القرار 2254. تبنى المجتمعون مبدأ "خطوة بخطوة"، وهو ما أعاد بشار الأسد إلى الساحة الدبلوماسية العربية من خلال مشاركته في قمة الجامعة العربية بجدة في 19 مايو 2023. كانت هذه أول مشاركة للأسد في قمة عربية منذ أكثر من عقد، بعد تعليق عضوية سوريا في الجامعة عام 2011. اعتُبرت هذه الخطوة علامة فارقة في تطبيع العلاقات بين سوريا والدول العربية.
رغم التنازلات، لم تحقق الدول العربية أي مكاسب ملموسة وظلت المخدرات وعصابات التهريب تتدفق نحو الدول العربية، ولم يتحسن الوضع الأمني في سوريا، ولم يُسجل أي تراجع في وجود الميليشيات الطائفية المدعومة من إيران. الجدير بالذكر هنا أنه منذ بداية الثورة السورية في 2011، لعبت الدول العربية دورًا سلبيًا من خلال دعم فصائل متنافسة، مما أدى إلى صراعات داخلية بين قوى الثورة، كما حدث في الغوطة الشرقية بين جيش الإسلام المدعوم من دولة خليجية وفيلق الرحمن المدعوم من دولة خليجية أخرى. تم هذا في سياق انكفاء الدور الأميركي ومن خلفه الأوروبي وتنافس الدول الخليجية على النفوذ في سوريا، وسط أزمة خليجية أوسع بدأت مع استدعاء الإمارات والسعودية والبحرين سفراءها من قطر في مارس 2014، وبلغت ذروتها في الحصار المفروض على قطر في يونيو 2017.
نتائج التطبيع مع الأسد على المعارضة كان التطبيع العربي غير المشروط مع نظام الأسد محبطًا ومخيبًا للآمال بالنسبة للسوريين، لكن رب ضارة نافعة. فمع توقف الدول العربية عن دعم الفصائل المسلحة وتوجهها نحو التطبيع، أدى ذلك إلى تحولات داخلية مهمة، حيث ساهم تجميع الفصائل في إدلب ورفع اليد العربية عنها في تسهيل التنظيم والتعاون فيما بينها وتعزيز قدرتها على اتخاذ القرارات وتحمل المسؤوليات، مما ساهم لاحقًا في تحقيق نجاحات عسكرية أدت في النهاية إلى إسقاط النظام في 8 ديسمبر 2024.
تأثير التطبيع على النظام التطبيع عزز إحساس النظام بالنصر، رغم أن ثلث سوريا كان خارج سيطرته. هذا الشعور جعله يرفض الانخراط في مفاوضات جادة أو تقديم تنازلات سياسية، مما عمّق الغضب الشعبي وأشعل الاحتجاجات مجددًا. ومع استمرار الانهيار الاقتصادي وتدهور الظروف المعيشية، شهدت مناطق مثل السويداء احتجاجات واسعة منذ 2023، وسُجلت بعض الاعتراضات حتى في أكثر المناطق تأييدًا. بالمحصلة، ظهر أن انتقال العرب إلى كفة النظام أزاح العبء عن فصائل الثورة التي غدت أكثر استقلالاً وأثقل كاهل النظام وعجل بسقوطه.
ثانياً: قمة العقبة وإدارة ما بعد الأسد انعقدت قمة العقبة في 14 ديسمبر 2024 بمدينة العقبة الأردنية، بمشاركة وزراء خارجية ومسؤولين من دول عربية وغربية، بعد سقوط الأسد. كان الهدف المعلن تسهيل الانتقال السلمي في سوريا وفقًا للقرار 2254، عن طريق دعم عملية الانتقال السياسي وتشكيل حكومة تمثل جميع الأطياف السورية، والتنسيق الإقليمي لضمان استقرار سوريا ومنع الفوضى، وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة.
تأتي هذه القمة استكمالاً لدور الدول العربية في محاولة السيطرة على العملية السياسية بما يخدم مصالحها، خشية صعود تيارات سياسية ديمقراطية أو إسلامية تهدد استقرار أنظمتها. دور الدول العربية اليوم هو نفس دورها سابقًا ويجب التعامل معه بما يحقق مصالح الجميع. الطبيعي أن تسعى الدول لتحقيق مصالحها وهي تسلك في سبيل ذلك جميع السبل.
بعض الدول العربية لعبت دورًا كبيرًا في تشتيت قوى الثورة عبر التمويل وشراء الولاءات، وهي استراتيجية معروفة استخدمتها في أزمات مشابهة في ليبيا، السودان، اليمن، وحتى تونس. هذه السياسة تهدف إلى إضعاف أي مشروع ثوري قد يقدم نموذجًا ناجحًا يشكل سابقة في المنطقة من الممكن أن تهدد الأنظمة القائمة.
الدول العربية تخشى أيضًا صعود تيارات الإسلام السياسي ذات التوجه الأممي وتخشى تفعيل أثر أحجار الدومينو فيها، فالنصر على بشار يمكن أن يحفز همم شعوب أخرى ويسقط زعماء آخرين، بالتالي هي تميل إلى التعامل مع أنظمة مماثلة لها مضمونًا ولو اختلفت شكليًا.
السؤال الأهم: ما قدرة هيئة تحرير الشام على التعامل مع المطالب والمخاوف العربية؟ في الحقيقة، رغم أن الهيئة تشكل العمود الفقري للقوى السورية إلا أنها لا تمثل سوى 30% فقط من القوات العسكرية على الأرض، حيث يوجد الجيش الوطني وبقايا الفيلق الخامس (غرفة تحرير الجنوب) وقوات كردية وقوات السويداء وقوات سورية حرة وبقية القوى المتحالفة لليوم مع الجولاني. مع العلم أن خارطة التحالفات متغيرة وغير ثابتة، أي أن إمكانية الانقلاب موجودة في أي وقت.
من جهة أخرى، الهيئة ليست كتلة متماسكة؛ فهي تضم عدة أجنحة:
الجناح التقليدي المحافظ.
الجناح الجهادي المحلي.
الجناح الجهادي العالمي ذو البعد القاعدي.
هذا التعدد يجعل قدرة الجولاني على المناورة داخل الهيئة ضعيفة، مما يضعف إمكانية تقديم نموذج حكم مقبول دوليًا وإقليميًا. يضاف إلى هذا الضعف الكامن، البنية الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والمالية والإدارية شبه المنتهية.
ما هي الرؤية للتعامل مع التحديات؟ لتجاوز العقبات الحالية، يجب:
تقديم رؤية واضحة لمستقبل سوريا تقوم على بناء دولة حديثة تعددية تحكمها أسس المواطنة والقانون، وتكون عامل استقرار في المنطقة.
منع التمويل العشوائي وفرض رقابة صارمة على مصادر التمويل لضمان عدم تكرار سيناريو شراء الولاءات والانقسامات.
عدم الإقصاء، لأن الطرف المُقصى سوف يتحالف مع أطراف أخرى، وبالتالي تكرار الحالة الحفترية في ليبيا.
ضمان تمثيل عادل لجميع الأطراف والقوى الفاعلة بما يحقق توافقًا وطنيًا.
بناء أولويات وطنية وإعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية وجمع الأسلحة.
تقديم ضمانات إقليمية ودولية لطمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي حول مستقبل سوريا، من خلال تقديم نموذج سياسي عملي ومقبول.
المحصلة: إعادة توحيد قوى الثورة السورية يتطلب التعامل بواقعية مع التحديات الإقليمية والدولية، مع مراعاة ضعف الإمكانيات السورية. بناء سوريا جديدة يحتاج إلى خطوات جادة لإقناع الجميع – محليًا وإقليميًا ودوليًا – بأن سوريا المستقبل ستكون دولة قائمة على القانون، التعددية، والاستقرار. هذه الجهود لن تسهم فقط في إنهاء المعاناة السورية، بل ستسهم أيضًا في رفع العقوبات الدولية واستعادة الأموال المجمدة، بما يدعم مسيرة إعادة البناء.
Comments