top of page

تحسين الإطار القانوني للاستثمارات في سوريا الجديدة: خارطة طريق نحو التنمية المستدامة

تاريخ التحديث: 1 فبراير




عانت سوريا على مدى عقود من نظام اقتصادي يعزز المصالح الشخصية للنخبة الحاكمة على حساب التنمية الشاملة، كان أبرزها ضعف الإطار القانوني، انتشار الفساد، وانعدام الشفافية. هذه العوامل أثرت سلبًا على جاذبية سوريا للاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI)، وهي تدفقات رؤوس الأموال من شركات أو أفراد أجانب إلى بلد معين بهدف إنشاء أو توسيع أعمال تجارية. اليوم، ومع تغيّر المشهد السياسي، تلوح في الأفق فرصة تاريخية لإعادة بناء الاقتصاد السوري على أسس عادلة ومستدامة. لتحقيق ذلك، لا بد من إنشاء إطار قانوني يوازن بين تشجيع الاستثمارات وحماية المصالح الوطنية، مما يجعل هذه اللحظة محورية لمستقبل سوريا الاقتصادي.


أهمية الإطار القانوني في جذب الاستثمار


الإطار القانوني هو مجموعة القوانين والتشريعات التي تحكم العلاقات الاقتصادية بين المستثمرين والدولة. في سوريا كان غياب قوانين شفافة وضعف تنفيذها عاملاً رئيسياً في إضعاف ثقة المستثمرين. الدول التي تتمتع بأطر قانونية قوية، مثل سنغافورة وكندا، تقدم أمثلة على كيفية خلق بيئة أعمال جاذبة ومستقرة. في السياق السوري، إعادة صياغة الأطر القانونية يجب أن تركز على تعزيز الشفافية وحماية الحقوق الاقتصادية، بما يسهم في خلق توازن بين جذب الاستثمارات وتحقيق مصالح المواطنين. إن بناء الثقة بين المستثمرين والدولة يتطلب قوانين واضحة وعملية، مع توفير آليات رقابة فعالة تضمن الالتزام بها.


1- الشفافية الاقتصادية: حجر الزاوية لبناء الثقة

غياب الشفافية كان واحدًا من أكبر التحديات التي واجهت سوريا في جذب الاستثمار الأجنبي. الشفافية الاقتصادية تعني توفير المعلومات المتعلقة بالمشروعات والقوانين للجمهور بطريقة مفتوحة وواضحة، ما يقلل من فرص الفساد ويعزز الثقة بين الأطراف المختلفة. يمكن تعزيز الشفافية من خلال إنشاء منصات إلكترونية تنشر تفاصيل العقود الاستثمارية وتشرك المجتمع المدني في مناقشة المشاريع الكبرى. مثال ذلك، سياسات البنك الأوروبي للاستثمار، الذي يتيح للجمهور الاطلاع على وثائق المشروعات التي يمولها، مما يعزز الثقة والمساءلة.


2- شروط الأداء: تحقيق القيمة المضافة للاقتصاد

لجذب الاستثمارات الأجنبية بشكل مستدام، يجب أن تكون هناك سياسات تضمن استفادة الاقتصاد المحلي من هذه الاستثمارات. شروط الأداء تلعب دورًا حاسمًا في هذا السياق، حيث تفرض التزامات قانونية على الشركات الأجنبية، مثل توظيف نسبة معينة من العمالة المحلية أو إقامة شراكات مع الشركات الصغيرة والمتوسطة. هذه الشروط تساعد في تطوير المهارات المحلية ونقل التكنولوجيا، ما يعزز القيمة المضافة للاقتصاد الوطني ويضمن توزيعًا أكثر عدالة للمنافع الاقتصادية. تطبيق هذه السياسات بنجاح يتطلب تصميم آليات رقابية فعالة لضمان التزام الشركات بهذه الالتزامات.


3- إنشاء هيئات رقابية مستقلة: آلية لمكافحة الفساد

مؤسسات الرقابة المستقلة هي أداة أساسية لضمان الالتزام بالقوانين ومنع الاستغلال غير المشروع للموارد الوطنية. هذه الهيئات يجب أن تكون محايدة ومستقلة عن السلطات السياسية لضمان نزاهتها وفعاليتها. تأسيس هيئة وطنية تُعنى بمراقبة العقود الاستثمارية سيشكل خطوة حاسمة نحو تعزيز الشفافية وتقليل مخاطر الفساد. مثل هذه الهيئات يمكن أن تلعب دورًا في نشر تقارير دورية تسلط الضوء على الأنشطة الاستثمارية ومدى توافقها مع القوانين، ما يعزز المساءلة العامة والثقة في النظام الاقتصادي.


4- حماية القطاعات الاستراتيجية: ضمان السيادة الاقتصادية

في سياق إعادة بناء الاقتصاد السوري، حماية القطاعات الاستراتيجية مثل النفط والغاز تعد أولوية قصوى. هذه القطاعات تمثل عصب الاقتصاد ويجب أن تكون تحت سيطرة الدولة لضمان استدامتها. يمكن تحقيق ذلك من خلال وضع حدود على الملكية الأجنبية في هذه الصناعات، مع تصميم نماذج شراكة بين القطاعين العام والخاص تضمن كفاءة الإدارة دون التنازل عن السيادة الوطنية. هذا النهج يساعد في تحقيق التوازن بين تعزيز الاستثمارات وحماية المصالح الوطنية.


5- إعادة التفاوض على الاتفاقيات القديمة: استعادة الحقوق الاقتصادية

العديد من الاتفاقيات الاستثمارية الموقعة في الماضي لم تكن في صالح الاقتصاد السوري، حيث انحازت لصالح المستثمرين الأجانب على حساب المصلحة الوطنية. مع تغير النظام السياسي، يصبح من الضروري مراجعة هذه الاتفاقيات وإعادة التفاوض بشأنها لضمان تحقيق توازن بين حقوق المستثمرين والسيادة الوطنية. نجاح هذه الخطوة يتطلب تشكيل لجان متخصصة تضم خبراء قانونيين واقتصاديين، مع الاستفادة من تجارب دول مثل جنوب إفريقيا التي نجحت في تعديل اتفاقياتها لتعكس أولوياتها التنموية.


6- المسؤولية الاجتماعية والاستدامة: استثمار يخدم المجتمع

المسؤولية الاجتماعية تعني التزام الشركات بتحقيق أرباح دون الإضرار بالمجتمع أو البيئة. في سوريا، يجب أن تُدرج معايير واضحة في العقود الاستثمارية تلزم الشركات الأجنبية بتنفيذ مشروعات تنموية في المناطق المحيطة بأنشطتها، مثل دعم التعليم والبنية التحتية. مثل هذه المبادرات لا تعزز التنمية المحلية فقط، بل تسهم أيضًا في تحسين العلاقة بين المستثمرين والمجتمعات المضيفة، ما يزيد من استقرار بيئة العمل على المدى الطويل.


7- التحكيم التجاري: تسوية النزاعات بفعالية

التحكيم التجاري هو أداة فعالة لحل النزاعات الاقتصادية بعيدًا عن تعقيدات المحاكم التقليدية. إنشاء مركز وطني للتحكيم التجاري في سوريا يمكن أن يعزز بيئة الأعمال من خلال توفير آلية سريعة وعادلة لتسوية النزاعات. لضمان نجاح هذا النظام، يجب وضع قوانين واضحة تنظم إجراءات التحكيم، مع تدريب متخصصين على التعامل مع القضايا الاستثمارية الدولية. التجربة الكويتية في بناء منظومة تحكيم قوية يمكن أن تكون مصدر إلهام لسوريا الجديدة.


رؤية مستقبلية: سوريا كوجهة استثمارية مستدامة


إن إعادة بناء الاقتصاد السوري على أسس حديثة ومستدامة يتطلب استراتيجية شاملة توازن بين جذب الاستثمارات وحماية المصالح الوطنية. الإطار القانوني الجديد يمكن أن يكون حجر الزاوية لهذا التحول، حيث يوفر بيئة أعمال شفافة وعادلة تشجع على الاستثمار المسؤول. لتحقيق هذه الرؤية، يجب أن تكون هناك شراكة بين الحكومة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني لضمان تنفيذ الإصلاحات بشكل فعّال. سوريا لديها فرصة حقيقية لتصبح نموذجًا للنهضة الاقتصادية، مع التركيز على العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.


المراجع:

  1. Olivier De Schutter, Johan Swinnen, Jan Wouters - Foreign Direct Investment and Human Development.

  2. James Gerber - A Great Deal Of Ruin.

  3. James Gerber - International Economics.

  4. Glen Biglaiser and Karl DeRouen Jr. - Economic Reforms and Inflows of Foreign Direct Investment in Latin America.

  5. Ashoka Mody - Foreign Direct Investment and the World Economy.


Comentários

Avaliado com 0 de 5 estrelas.
Ainda sem avaliações

Adicione uma avaliação
bottom of page