top of page

اللامركزية الإدارية كأسلوب للتنظيم الإداري في سوريا

تاريخ التحديث: 1 فبراير

تُعد اللامركزية الإدارية أحد المفاهيم الأساسية التي تهدف إلى تحقيق توزيع أكثر عدلاً وفعالية للسلطة والموارد داخل الدولة. وفي سياق سوريا، التي عانت من عقود طويلة من المركزية المفرطة التي أثرت على مستوى التنمية والإدارة المحلية، تبرز اللامركزية كحل واعد يمكن أن يساهم في بناء سوريا المستقبل. إذ يمكن لهذا النظام أن يعزز قدرة السلطات المحلية على اتخاذ قرارات تتناسب مع احتياجات المواطنين بشكل أكثر دقة وفعالية، ويشجع على المشاركة الشعبية في إدارة شؤونهم.


في هذه المقالة، سيتم التطرق إلى مفهوم المركزية واللامركزية الإدارية مع التركيز على المساوئ والفوائد الناتجة عن تطبيقها. ثم سنتناول اللامركزية الإدارية كأسلوب للتنظيم الإداري في سوريا.

 

المركزية الإدارية

 

تُعد المركزية الإدارية أول الأنظمة التي اتبعتها الدول في الحكم والإدارة. وتقوم المركزية على أساس التوحيد وعدم التجزئة، وفي المجال الإداري، تعني المركزية توحيد النشاط الإداري وتجميعه في يد السلطة التنفيذية الموجودة في العاصمة. تعتمد هذه السلطة على السيطرة الكاملة على جميع الوظائف الإدارية مثل التوجيه والتخطيط والرقابة والتنسيق، بينما تلتزم السلطات الدنيا بتنفيذ القرارات الصادرة عن السلطات العليا وفق ترتيب إداري صارم يُقسم الموظفين إلى رؤساء ومرؤوسين في سلم إداري منتظم، حيث يخضع كل مرؤوس لرئيسه بشكل كامل وينفذ أوامره تحت إشرافه.


رغم فعالية هذا النظام في بعض السياقات، إلا أنه يعاني من عيوب كثيرة، أبرزها إشغال الحكومة المركزية بمسائل ذات أهمية قليلة على حساب القضايا الجوهرية. كما أن المركزية تتعارض مع ضرورة تمكين الجماعات المحلية من إدارة شؤونها المحلية عبر مجالس منتخبة فيما بينهم.


يؤدي ذلك إلى خنق روح المثابرة والإبداع لدى القائمين المحليين على تسيير أعمال الوحدات الإدارية في مناطقهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعد متخذ القرار عن الأماكن المراد تطبيق القرار فيها يؤدي غالبًا إلى صدور قرارات لا تنسجم مع طبيعة المشكلات المطروحة.


اللامركزية الإدارية    

 

تُعرف اللامركزية الإدارية بأنها عملية نقل السلطة والمسؤولية بشكل رسمي من السلطة المركزية إلى وحدات إدارية محلية على مستويات أدنى في تراتبية سياسية وإدارية. للامركزية أبعاد قانونية تتمثل في توزيع الوظيفة الإدارية بين السلطة المركزية والمحليات، وأخرى سياسية تقوم على توسيع مفهوم الديمقراطية من خلال نقل سلطة اتخاذ القرار النهائي من الدولة إلى هيئات محلية منتخبة من الشعب.


تسهم اللامركزية في تحسين الأداء الإداري من خلال اتخاذ قرارات أسرع وأكثر فعالية، إلى جانب إشراك الشعب في السلطة وتوفير اهتمام أكبر بمشكلات الأفراد والعمل على حلها. كما تمثل اللامركزية الإدارية أداة لإعادة بناء الدولة، بحيث تعكس التنوع المحلي وتعزز الاستقرار، خصوصًا بعد الفترات الصعبة مثل الثورات والحروب، إذ تسمح بتوزيع السلطة بين مستويات متعددة وتمكين المجتمعات المحلية من إدارة شؤونها، مما يساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي.            

 

نحو اللامركزية الإدارية في سوريا  


صدر قانون الإدارة المحلية في سوريا بموجب المرسوم التشريعي رقم 15 بتاريخ 11 أيار 1971، وأُحدثت وزارة الإدارة المحلية بموجب المرسوم التشريعي رقم 27 بتاريخ 3 آب 1971. وكان الهدف الأساسي من هذا القانون تمكين الوحدات الإدارية من إدارة شؤونها عبر مجالس منتخبة. غير أن هذا القانون أُفرغ من مضمونه نتيجة هيمنة حزب البعث وأجهزته الأمنية، حيث تحولت الانتخابات إلى مجرد إجراءات شكلية قائمة على الولاء للحزب الحاكم. وأصبحت وزارة الإدارة المحلية تتحكم بمفاصل الدولة التنظيمية والإدارية والاقتصادية عوضًا عن المجالس المحلية.


مع بداية الثورة السورية في آذار 2011، حاول النظام إجراء بعض الإصلاحات الإدارية، حيث صدر المرسوم التشريعي رقم 107 بتاريخ 23 آب 2011، المتضمن قانون الإدارة المحلية الجديد الذي ألغى ما قبله من قوانين عالجت الإدارة المحلية. ووفقًا لهذا القانون، قُسّمت الجمهورية العربية السورية إلى وحدات إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري وهي المحافظة، المدينة، البلدة، البلدية (المادة 7).


وفقًا لهذا المرسوم، أخذ المشرّع بمبدأ اللامركزية السلطة والمسؤولية في سوريا. إلا أن المشرع السوري خصص بعض المواد في هذا القانون لتكريس الهيمنة والقبضة الحديدية على الوحدات الإدارية المحلية. نذكر منها منح المجلس الأعلى للإدارة المحلية، والمكوّن من (رئيس مجلس الوزراء، وزير الإدارة المحلية، رئيس هيئة تخطيط الدولة، المحافظين، رؤساء المجالس المحلية في المحافظات، معاون الوزير) صلاحية البت في الشؤون أو التدابير التي يراها هو مناسبة للسكان المحليين، وليست مجالسهم المنتخبة من قبلهم (المادتان 3 و4). كما تم تعطيل دور الوحدات الإدارية المحلية، وتعطيل مبدأ الرقابة الشعبية (المادة 121)، ومنح رئيس الجمهورية صلاحية مطلقة لحل المجالس المحلية على مختلف مستوياتها (المادة 122).


من الناحية العملية، يمكن القول إن هذا القانون لم يحقق أي شيء من بنوده أو أهدافه، وإنما طُبق بشكل مشوه وبصورة عكسية للنتائج المتوخاة. كما أن حكومة النظام لم تنقل الصلاحيات والمسؤوليات إلى المجالس المحلية وفق أهداف القانون.         

 

ان النظام البائد في سوريا اعتمد بشكل رئيسي خلال خمسين عاما على نظام المركزية في إدارة شؤون الدولة، وهو ما أدى إلى تعطيل مبدأ الديمقراطية والمشاركة الشعبية في الشؤون المحلية. رغم وجود بعض الهياكل الإدارية المحلية في سوريا مثل مجالس المدن والبلديات، الا ان القرارات كانت تتخذ فقط من قبل القيادة المركزية في دمشق. على الرغم من ان الدستور السوري والقوانين المحلية تتحدث عن دور المجالس المحلية في إدارة شؤون الأحياء والمدن والبلدات، إلا ان هذا الدور كان محدودا للغاية وتحت سيطرة الحكومة المركزية في دمشق.                                                                                                                                                            

                                                                                                                                                     

 اللامركزية الإدارية في سوريا المستقبل


إن الحل الأفضل لسوريا المستقبل هو اعتماد نظام اللامركزية الإدارية بضمان نصوص دستورية وقانونية واضحة تمنع السلطة المركزية من الانتقاص من صلاحيات الأطراف. هذا من شأنه أن يُمكن السوريين من امتلاك القدرة والصلاحيات والموارد كي يديروا شؤون مناطقهم بما يرون وكما تتطلب مصالحهم وحاجاتهم.


على أن يتم الانتقال نحو اللامركزية بشكل تدريجي للحفاظ على سلامة الدولة ووحدة أراضيها من جهة، وتمكينها من إعادة إعمار القطاعات الاقتصادية الوطنية، خصوصًا الثروات الباطنية والأمن الغذائي. إذ إن إعادة تأهيل هذه القطاعات تحتاج إلى تخطيط من السلطة المركزية تعجز عنه السلطات المحلية من جهة أخرى.


كما أن اللامركزية السليمة تحتاج إلى مجتمع مدني قوي ليحميها، فهو القطاع القادر على مراقبة أطراف الحكم المحلي المختلفة والقيام بدور الداعم والوسيط بين المواطنين من ناحية وأجهزة الحكم المحلي المنتخبة والتنفيذية من ناحية أخرى.


بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تلعب دورًا محوريًا في تقييم جودة الخدمات، وتوفير آليات الشكاوى، وتوثيق الانتهاكات المرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. اعتماد اللامركزية بطريقة تحقق دمج الاحتياجات المحلية مع السياسات الوطنية يساهم بالضرورة في إشراك المواطن في عملية اتخاذ القرار، مما يعزز استقرار البلاد ويحقق تنمية مستدامة وشاملة.



 
 
 

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page