سوريا الجديدة من رماد الحرب إلى اقتصاد مستدام: خارطة طريق نحو اقتصاد قوي ومستدام
- أنس الأسود (Anas Alaswad)
- 2 يناير
- 4 دقائق قراءة
تاريخ التحديث: 2 فبراير

سوريا اليوم تقف على أعتاب لحظة فارقة في تاريخها. الدمار الاقتصادي والاجتماعي الذي خلفته سنوات الحرب الطويلة التي خاضها الشعب ضد النظام القديم ليس نهاية الطريق، بل بداية جديدة تفتح المجال أمام تحول جذري في شكل الاقتصاد وآلياته. يمكن أن تصبح سوريا أشبه بطائر العنقاء، تنهض من الرماد لتبني اقتصادًا أكثر قوة واستدامة. التحول نحو “اقتصاد السوق الحر الموجه” ليس مجرد خيار، بل ضرورة لإعادة تموضعها اقتصاديًا على الساحة الإقليمية والعالمية. هذا المقال يتحدث عن دروس تاريخية من اقتصادات عالمية ويشرح كيف يمكن لنموذج اقتصاد السوق الحر الموجه والتخصص للحصول على ميزة تنافسية ان يكون اساساً لمستقبل اقتصادي أكثر استقراراً [1][2].
السياق التاريخي: دروس من دول ناجحة
التاريخ مليء بالدروس التي يمكن أن تستلهمها سوريا. ألمانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، اعتمدت على سياسات اقتصادية مزجت بين السوق الحر والتدخل الحكومي في إطار “اقتصاد السوق الاجتماعي”، مما أدى إلى استقرار اقتصادي ونمو سريع [2]. كوريا الجنوبية، في السبعينيات، وجهت مواردها نحو صناعات محددة مثل الإلكترونيات والسيارات، ما جعلها قوة اقتصادية عالمية. الدروس المستفادة من هذه التجارب توضح أن الاقتصاد الناجح يحتاج إلى رؤية متكاملة تجمع بين السوق الحر والتخطيط الاستراتيجي [3].
عندما لا تكفي الحلول التقليدية: حلول قصيرة الأمد
الأمثلة التاريخية تُثبت أن التوازن بين حرية السوق والدور الحكومي المنظم هو المفتاح للنجاح الاقتصادي. خذ ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية كمثال؛ اقتصادها لم ينهض بفعل السوق وحده، بل بفضل سياسات ذكية موجهة نحو حماية العمال ومكافحة الاحتكار. تجربة كوريا الجنوبية في السبعينيات تُظهر كيف استطاعت الحكومات توجيه الموارد نحو صناعات إستراتيجية كالإلكترونيات والسيارات، مما حوّلها من دولة فقيرة إلى عملاق اقتصادي عالمي. هذه النماذج تشير إلى أن بناء اقتصاد ناجح لا يكمن في ترك السوق تعمل بحرية مطلقة، بل في إدارتها بذكاء لتحقيق توازن بين الحرية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية [4][5].
من العزلة إلى المنافسة: بناء ميزة تنافسية للاقتصاد السوري
في عالم الاقتصاد الحديث اليوم، النجاح يُقاس بالتميز والتخصص. الدول اليوم مثل الشركات؛ تحتاج إلى ميزة تنافسية واضحة لتحتل مكانة مرموقة في السوق العالمية. انظر إلى سويسرا التي تفوقت في الصناعات الدقيقة والقطاع المالي، أو كوريا الجنوبية، التي صنعت هوية اقتصادية من خلال تخصصها بصناعات التكنولوجيا والسيارات[3][5].
سوريا تمتلك موارد طبيعية غنية وأراضي زراعية خصبة، لكن سياساتها الاقتصادية السابقة كانت انعزالية، تسعى لإنتاج كل شيء داخليًا دون التركيز على نقاط قوة حقيقية. هذا النهج أشبه بشخص يحاول أن يكون جيدًا في كل شيء لكنه لا يتقن أي شيء. النتيجة؟ اقتصاد ضعيف وغير قادر على المنافسة.
الخطوة الأولى هي "التخصص الذكي": الزراعة عالية الجودة، الصناعات التحويلية، والطاقة المتجددة. هذه القطاعات، إذا استُثمرت بشكل استراتيجي، يمكن أن تُحول سوريا إلى لاعب اقتصادي قوي.
ما هو اقتصاد السوق الحر الموجه؟
اقتصاد السوق الحر الموجه هو نظام اقتصادي يجمع بين ديناميكية السوق الحرة ودور الحكومة كمنظم ومسير استراتيجي. في هذا النظام، تُترك قوى العرض والطلب لتحدد أسعار السلع والخدمات، مما يعزز الكفاءة والابتكار. لكن الحكومة تتدخل في الوقت المناسب لضمان استقرار الاقتصاد وحمايته من الأزمات التي قد تنتج عن الفوضى السوقية، مثل الاحتكار أو الفجوات الاجتماعية [2][3].
يمكننا تشبيه هذا النظام بقائد سفينة يترك الرياح تدفع الأشرعة، لكنه يُمسك الدفة ليضمن أن السفينة تسير في الاتجاه الصحيح وتتجنب الصخور. على سبيل المثال، تتدخل الحكومة لتوجيه الموارد نحو قطاعات استراتيجية، مثل الزراعة والصناعات التحويلية والطاقة، وتحفز النمو من خلال توفير البنية التحتية وضمان العدالة الاجتماعية.
في تجارب ناجحة مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية، لعب هذا النموذج دورًا محوريًا في تحقيق نهضة اقتصادية، حيث كانت السوق الحرة أداة لتحقيق الكفاءة، بينما كان التدخل الحكومي ضمانة لتحقيق الاستقرار والتوجه نحو أهداف تنموية محددة. هذا المزيج المتوازن يجعل اقتصاد السوق الحر الموجه نموذجًا مثاليًا لدول تمر بمرحلة إعادة البناء، مثل سوريا، لأنه يجمع بين حرية النمو الاقتصادي وتوجيهه لتحقيق مصلحة عامة ومستدامة.
الاقتصاد الحقيقي (Real Economy): أساس الاستدامة
النمو الحقيقي لا يأتي إلا من القطاعات التي تُنتج سلعًا وخدمات ملموسة. الاستثمار في الزراعة، الصناعة، التكنولوجيا، والطاقة ليس مجرد خيار بل ضرورة.
1. الزراعة: قوة كامنة غير مستغلة
سوريا تمتلك واحدة من أغنى الأراضي الزراعية في المنطقة. من خلال تحديث أنظمة الري، تحسين جودة البذور، وتقديم الدعم التقني، يمكن للزراعة أن تصبح عمودًا فقريًا للاقتصاد. تجربة هولندا ملهمة؛ رغم صغر مساحتها، أصبحت ثاني أكبر مصدر زراعي عالميًا بفضل التقنيات الحديثة في هذا المجال. سوريا يمكنها أن تحاكي هذا النجاح إذا ركزت على تطوير إنتاج محاصيل ذات جودة عالية للتصدير، كما ان ذلك سيلبي الحاجة الداخلية كنتيجة اكيدة [4].
2. الصناعات التحويلية: قيمة مضافة للاقتصاد
الصناعات التحويلية تُضيف قيمة إلى المواد الخام المحلية وتُعزز القدرة على المنافسة عالميًا. هذه القيمة المضافة هي ما تحقق ربحية حقيقية وتحول المواد الخام الى ذهب. تجربة فيتنام مثال حي؛ ركزت على تصنيع الإلكترونيات والنسيج بدعم من سياسات حكومية مبتكرة، مما جعلها واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا. سوريا قادرة على بناء صناعات تحويلية قوية، مثل المنتجات الزراعية المصنعة، المواد الغذائية والأدوية إذا تم تحسين البنية التحتية وتوفير التدريب اللازم للعمال [5].
3. الطاقة المتجددة: مصدر لا ينضب
مع تزايد الطلب العالمي على الطاقة النظيفة، يمكن لسوريا استغلال مواردها الطبيعية لتصبح رائدة في هذا القطاع [6]. الطاقة الشمسية والرياح قد تكون مفتاحًا لتوفير الطاقة بأسعار معقولة وتصدير الفائض وأيضا هذا القطاع يزداد أهمية باتجاه المواصلات وشبكات التوريد الى استخدام الطاقات البديلة.
خاتمة: الطريق إلى التعافي الحقيقي
الاقتصاد السوري بحاجة إلى تحول جذري بعيدًا عن الحلول المؤقتة وأدوات إدارة الأزمات وعدم وجود استراتيجية واضحة ترسم معالم تخصص ما. الإصلاحات الهيكلية التي تركز على الاقتصاد الحقيقي، من زراعة وصناعة وطاقة هي الطريق الوحيد لتحقيق استدامة اقتصادية حقيقية.
بينما تبدو التحديات هائلة، فإن الفرصة ما زالت قائمة لإعادة بناء اقتصاد يضع الإنتاجية والاستدامة في قلب استراتيجيته. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستستغل سوريا هذه الفرصة التاريخية لتكتب فصلًا جديدًا من النجاح، أم ستظل أسيرة سياسات الماضي التي أثبتت فشلها؟
المراجع
1. Gerber, James. International Economics. Pearson, 2021.
2. De Schutter, Olivier, Johan Swinnen, Jan Wouters. Foreign Direct Investment and Human Development. Routledge, 2012.
3. Mody, Ashoka. Foreign Direct Investment and the World Economy. Routledge, 2006.
4. North, Douglass. Institutions, Institutional Change and Economic Performance. Cambridge University Press, 1990.
5. Innovations in Foreign Direct Investment Attraction. Published Report, 2021.
6. Attracting Foreign Direct Investments. Published Report, 2019.
Comments